خلال السنوات الأخيرة شهد المغرب نموًا واضحًا في عدد المستخدمين الرقميين واعتماد التسوّق عبر الإنترنت، مدفوعًا بارتفاع نفاذ الإنترنت والهواتف الذكية وتحسّن البنى التحتية الرقمية. تقارير حكومية ودولية وحديثة تُشير إلى تزايد قيمة معاملات التجارة الإلكترونية (B2C) ونمو ثقة المستهلكين المحليين تجاه المنصات الإلكترونية.
في الوقت الراهن تجاوزت نسبة استخدام الإنترنت في المغرب تسعين بالمئة من السكان تقريبًا، وهو ما يعني أن معظم المواطنين أصبحوا متصلين بالعالم الرقمي بصفة مستمرة. ومع هذا الارتفاع الكبير في عدد المستخدمين، ارتفعت أيضًا قيمة المعاملات التجارية الإلكترونية إلى مستويات غير مسبوقة. وتشير التقديرات إلى أن السوق المغربي تجاوز حاجز المليار ونصف يورو في حجم المعاملات السنوية، مع توقعات باستمرار النمو في السنوات المقبلة بفضل دخول فئات عمرية جديدة إلى عالم التسوق عبر الإنترنت، خاصة فئة الشباب التي تعتمد الهواتف الذكية كوسيلة رئيسية للشراء.
من أهم العوامل التي ساهمت في هذا النمو الواضح انتشار وسائل الدفع الإلكترونية مثل المحافظ الرقمية والبطاقات البنكية المحلية، رغم أن الدفع عند التسليم ما زال يهيمن على جزء كبير من السوق. كما لعبت شركات التوصيل المغربية دورًا مهمًا في تعزيز الثقة بين البائعين والمستهلكين من خلال تحسين أوقات التسليم وتقديم خدمات تتبع دقيقة للطلبيات. هذه التحسينات اللوجستية جعلت تجربة التسوق الإلكتروني أكثر أمانًا وسلاسة من أي وقت مضى.
ورغم هذا التطور، لا تزال هناك تحديات حقيقية تواجه القطاع، أبرزها استمرار الاعتماد الكبير على الدفع نقدًا عند الاستلام، وضعف الاندماج البنكي لدى بعض الفئات، إضافة إلى تفاوت جودة الخدمات بين المدن الكبرى والمناطق البعيدة. كما أن المنافسة المتزايدة من المنصات الإقليمية والعالمية تفرض على التجار المحليين ضرورة الابتكار وتقديم قيمة مضافة مميزة للحفاظ على مكانتهم في السوق.
ورغم هذه التحديات فإن الفرص ما تزال واسعة أمام رواد الأعمال المغاربة. يمكن تحقيق الأرباح من التجارة الإلكترونية عبر مجالات متعددة مثل إنشاء متاجر متخصصة في منتجات مغربية طبيعية أو حرفية، أو إطلاق مشاريع صغيرة تعتمد على البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب، وهي قنوات أثبتت فعاليتها في الوصول السريع إلى الزبناء داخل المدن وخارجها.
هناك أيضًا فرص كبيرة في مجال الخدمات اللوجستية، خصوصًا في توصيل الطلبيات داخل المدن أو إدارة عمليات الإرجاع، وهي نقاط ضعف يعاني منها العديد من المتاجر الإلكترونية. كما يمكن تحقيق أرباح عبر إنشاء منصات دفع إلكترونية أو حلول مالية محلية تتناسب مع طبيعة السوق المغربي. أما على الصعيد الدولي، فالتجارة العابرة للحدود تمثل مجالًا واعدًا لتصدير المنتجات المغربية نحو أوروبا والخليج، خاصة في القطاعات التي تمتاز فيها المملكة مثل الحرف التقليدية ومستحضرات التجميل الطبيعية والمنتجات الغذائية المحلية.
نجاح أي مشروع في التجارة الإلكترونية يعتمد على دراسة دقيقة للسوق واختيار مجال متخصص يقل فيه التنافس، مع البدء بشكل بسيط واختبار الفكرة على نطاق محدود قبل التوسع. التسويق الرقمي الذكي عبر محركات البحث والإعلانات الممولة والمحتوى المحلي الجيد يمكن أن يصنع الفرق ويجذب عملاء أوفياء. كما أن الاهتمام بجودة الصور، وسهولة التصفح، وسرعة الرد على الزبناء يعد من أهم عوامل النجاح وبناء الثقة في المتجر.
في المُجمل، يمكن القول إن التجارة الإلكترونية في المغرب دخلت مرحلة النضج والنمو المستمر. ومع تطور وسائل الدفع وتحسن الخدمات اللوجستية وتزايد الثقة الرقمية، أصبحت الفرصة مهيأة لكل من يرغب في دخول هذا المجال وتحقيق ربح مستقر وطويل الأمد. المستقبل الرقمي في المغرب واعد، ومن يقتنص الفرصة اليوم سيكون من أوائل المستفيدين من الثورة التجارية القادمة.